إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا
وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله .
قالى الله تعالى(( يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا
وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللـه الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ
إِنَّ اللـه كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ))النساء
أحبائي فى الله :
سجل المولى فى قرآنه قال الله تعالى :
(( وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى(23)يَقُولُ
يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي(24)فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ(25)وَلا يُوثِقُ
وَثَاقَهُ أَحَدٌ)) الفجر
وفى صحيح مسلم من حديث ابن مسعود أنه قال :
(( يؤتى بجهنم يوم القيامة لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون
ألف ملك يجرونها)) .
فإذا ما رأت الخلائق زفرت وزمجرت غضباً منها لغضب الله .
فحينئذ تجثوا جميع الأمم على الركب ..
ولقد سجل القرآن هذا المشهد حيث قال الله تعالى :
وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ
الجاثية
وفى هذه اللحظة تطير قلوب المؤمنين شوقاً إلى الجنة ، وتطير قلوب
المجرمين فزعاً ، وهلعاً ، وهرباً من النار ، ويعض صنف كثير من الناس فى أرض المحشر
على أنامله تحسراً على ما قدم فى هذه الحياة الدنيا
ولكن هيهات ..
هيهات !!
قال تعالى :
(( الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا ))
(( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ
سَبِيلا(27)يَاوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا(28)لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ
بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولا)) الفرقان
وسوف ينتظم
حديثنا فى هذا الموضوع فى العناصر الآتية :-
أولاً : الشفاعة العظمى .
ثانياً : من أسعد الناس بشفاعة المصطفى.
ياحبيبي ويا شفيعي يارسول الله
أولاً : الشفاعة العظمى
روى البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة أنه قال :
(( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة )) ثم قال :
(( هل تدرون مم ذاك ؟!!
يجمع الله الأولين والأخرين فى صعيد واحد فيبصرهم الناظر ،
ويسمعهم الداعى وتدنو منهم الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب مالا
يطيقون ولا يحتملون ، فيقول الناس ألا ترون ما أنتم فيه ، إلى ما
بلغكم؟!! ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم ؟ فيقول بعض الناس
لبعض : أبوكم آدم . فيأتونه فيقولون ياآدم أنت أبو البشر خلقك اللـه
بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأمر الملائكة فسجدوا لك ، وأسكنك الجنة
، ألا تشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا ؟ فيقول : إن
ربى غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ،
وإنه نهانى عن الشجرة فعصيت ، نفسى ، نفسى ، نفسى ... اذهبوا إلى
غيرى . اذهبوا إلى نوح ، فيأتون نوحاً ، فيقولون : يانوح ، أنت أول
الرسل إلى أهل الأرض ، وقد سماك الله عبداً شكوراً ، ألا ترى ما
نحن فيه ؟ ألا ترى إلى ما بلغنا ؟ ألا تشفع لنا عند ربك ؟ فيقول : إن
ربى غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ،
وإنه قد كان لى دعوة دعوت بها على قومى ، نفسى ، نفسى ، نفسى ،
اذهبوا إلى غيرى ، اذهبوا إلى إبراهيم... فيأتون إبراهيم فيقولون :
أنت نبى الله ، وخليله فى أهل الأرض ، اشفع لنا إلى ربك أما ترى
إلى ما نحن فيه ؟ فيقول لهم : إن ربى قد غضب اليوم غضباً لم يغضب
قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، وإنى كنت كذبت ثلاث كذبات.
فذكرها ، نفسى ، نفسى ، نفسى ، اذهبوا إلى غيرى ، اذهبوا إلى
موسى ، فيأتون موسى . فيقولون: أنت رسول الله ، فضلك برسالاته
وبكلامه على الناس ، اشفع لنا إلى ربك، أما ترى إلى ما نحن فيه ؟
فيقول : إن ربى قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ، ولن
يغضب بعده مثله ، وإنى قد قتلت نفساً لم أُومر بقتلها ، نفسى ، نفسى ،
نفسى اذهبوا إلى غيرى ، اذهبوا إلى عيسى ، فيأتون عيسى ، فيقولون
: يا عيسى ، أنت رسول اللـه وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ،
وكلَّمت الناس فى المهد ، اشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى إلى ما نحن فيه
؟ فيقول عيسى : إن ربى قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله
ولن يغضب بعده مثله ، ولم يذكر ذنباً ، نفسى ، نفسى ، نفسى . اذهبوا
إلى غيرى ، اذهبوا إلى محمد ، فيأتون محمداً
وفى رواية : فيأتونى - فيقولون : يامحمد أنت رسول الله وخاتم
الأنبياء قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، اشفع لنا إلى ربك
، ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ فانطلق ، فآتى تحت العرش ، فأقع ساجداً
لربى ، ثم يفتح الله علىّ من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه
على أحد قبلى ، ثم يقال : يامحمد ، ارفع رأسك ، وسل تعطــــى ،
سبحان الله !! انظروا كم حب الرسول لأمته !! إنه الحليم الأواه صاحب
القلب الكبير صاحب القلب الرحيم الذى قال اللـه فى حقه
بالمؤمنين رَؤُوفٌ رَحِيمٌ
وقرأ قول الله فى إبراهيم :
((رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي
فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )) ابراهيم
وقرأ قول الله فى عيسى :
(( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ))
المائدة
فبكى فأنزل الله إليه جبريل عليه السلام وقال :
باجبريل سل محمد ما
الذى يبكيك ؟ وهو أعلم ، فنزل جبريل وقال: ما يبكيك يا رسول اللـه ؟
قال أمتى .. أمتى ياجبريل ، فصعد جبريل إلى الملك الجليل . وقال :
يبكى على أمته واللـه أعلم ، فقال لجبريل انزل إلى محمد وقل له إنا
سنرضيك فى أمتك ولا نسوءك فيقول : يارب أمتى .. يارب أمتى ..
يارب أمتى .
يقول المصطفى :
فأخر ساجداً تحت العرش فيقال لى : ما شأنك وهو أعلم
فيقول
المصطفى :
يارب وعدتنى الشفاعة فشفعنى فى خلقك فأقضى بينهم ، فيقول الله
جل وعلا قد شفعتك … أنا آتيكم لأقضى بينكم .
يقول المصطفى فأرجع لأقف مع الناس فى أرض المحشر ، وتنتظر
البشرية كلها مجىء الملك جل جلاله مجىء يليق بكماله وجلاله ، فكل
ما ورد ببالك فاللـه بخلاف ذلك
(( لَيسَ كَمثلهِ شَىءٌ وَهُو السَّميعُ البَصِير )).
فصفة النزول ، وصفة المجىء ، وصفة الإتيان ، وصفة الغضب ،
صفات لله جل جلاله نثبتها كما جاءت من غير تحريف ، ولا تشبيه ،
ولا تعطيل ، ولا تكييف ولا تمثيل قال تعالى :
(( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ))
طه
فالاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه
بدعة من الذى يشفع للبشرية كلها لفصل القضاء ؟!!
لم يشفع للبشرية كلها لفصل القضاء إلا المصطفى .
أيها الموحدون : والله لا يعرف قدر رسول الله إلا الله .
إن قدر رسول الله عند الله لعظيم ! وإن كرامة النبى عند زكاه فى عقله فقال سبحانه:
((مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى)) النجم
زكاه فى صدقه فقال سبحانه: ((وَمَا يَنطِقُ عَن الهوىَ )) النجم
زكاه فى صدره فقال سبحانه(( أَلم نَشْرح لَكَ صَدْرَكَ )) الشرح
زكاه فى فؤاده فقال سبحانه: (( مَاكَذَبَ الفُؤادُ مَارَأىَ )) النجم
زكاه فى ذكره فقال سبحانه: (( وَرَفعنَا لَكَ ذكْرَكَ )) الشرح.
زكاه فى طهره فقال سبحانه: (( وَوَضعنَا عَنكَ وزْرَكَ )) الشرح
زكاه فى علمه فقال سبحانه: (( عَلَّمَهُ شَديدٌ القُوىَ )) النجم
زكاه فى حلمه فقال سبحانه: (( بِالمؤمِنينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ )) التوبة
زكاه كله فقال سبحانه: (( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلقٍ عَظِيمٍ )) القلم